نحو التأسيس لثقافة الوعي بالذاكرة الجماعية بأيير و تثمينها: شخصيات بصمت فضاءات من أيير

Publié le 9 Avril 2014 par أبناء أيير الجميلة in ثقافة

اعتبارات عامة:

إسهاما منا في إحياء الذاكرة الأييرية بشكل عام نخوض من خلال الورقة التالية في المجتمع الأييري لنظهر مجموعة من ملامح التفاعل و كيف أثث ويؤثث الإنسان الأييري فكره و تصوراته و رؤيته للأشياء، و ذلك  انطلاقا من الوقوف على حالة اجتماعية وروحية  تفاعلت و رسمت صورا من التفاعل المجتمعي لتكون في نهاية المطاف شخصية/حالة من الحالات التي سجلت بصماتها بفضاءات عديدة بالمنطقة و تشكل ذاكرة جماعية و نماذج تعددت مشارب اهتماماتها و إسهاماتها لتصبوا نحو تأثيث فكر أييري متأصل و حاضر في الهنا و الآن.

خروج سي علال : طقس يومي بمجموعة من الدلالات الرمزية و النفسية و الاجتماعية.

"علال مول الحريرة" هكذا كان يفضل الكثير من ساكنة مركز العكارطة أن تسميه نظرا لارتباطه بالحريرة التي كان يعدها بشكل يومي و يجوب بها مختلف جنبات العكارطة بعد أن يعبر بعربته الصغيرة " كروسة" مسافة  ليست بالقليلة ليصل إلى العكارطة، و يمارس بها هوايته المفضلة التي كان يجمع بها بعض الدراهم ليغطي مصاريف أسرته و يعود بعد انقضاء مادته المعروضة منفرجا و مسرورا بعد عشية مليئة بالتواصل و الضحك و النشاط.

كل يوم مساء كان للعكارطة و أناسها موعد مع سي علال بائع الحريرة  التي كان مذاقها مختلف طبعا و لها طعم خاص و لعل هذا ما يفسره توافد مجموعة من الأشخاص عليه خلال رحلة بيعه اليومية.

"باعلال"  أو  سي علال  ألف أن يحضر الحريرة ليسير بها على إيقاع خطى "كروسته" الصغيرة انطلاقا من محل سكناه المجاور لمقبرة سيدي موسى الصنهاجي إلى العكارطة مرورا عبر الحدادشة التي يمر عبرها دون أن لا يترك بصمة حريرته المميزة بها.

كانت الحريرة تبقى ساخنة حتى تستهلك عن آخرها لأنه كان يضعها في آنية كبيرة و يضع تحتها قدرا مشتعلا بالفحم "مجمر" و كانت حريرته تسوق نسمتها عبر كل الأطراف التي يمر منها و حتى محطات تلفيف الطماطم-  التي كانت تعرف بها العكارطة و غيرها و لم تكن قفة منزل بأيير لتستقيم بدونها- أعتادت أن  تغمرها حريرة سي علال.

اعتادت الساكنة أن تنتظر سي علال و عندما تظهر عربته الصغيرة  من فوق العقبة المتواجدة على مرمى حجر من الحدادشة. كان المنتظرون يغمرهم إحساس من نوع خاص ليس لأن سي علال يحمل لهم الحريرة كما عودهم على ذلك لكن لأن طقسا يوميا استشربوه و شكل جزء من يومهم الجميل و جانبا من عاداتهم كانوا يتابعونه بنوع من الفرحة و السرور و المواكبة، و كان سي علال جزءا لا يتجزأ من كيانهم و الذي ما أن يلوح في الأفق حتى يستفز مشاعرهم و يدفعهم بدون وعي إلى  مشاركته  فرحتيه الأولى وجدانية و الثانية مادية اجتماعية.

المشاركة الوجدانية مع الطقس اليومي لسي علال.

المشاركة الوجدانية لأن الطقس اليومي لسي علال يصبح أرضية للتفاعل و التشارك و التواصل؛ حيث يشاركه المتتبعون جولته و نكتته و حسه الفرجوي بعبارات مثل "را سي علال جا" "ها الحريرة جات" .  و كانت حريرة سي علال تخرج العكارطة و الأماكن التي تمر منها من سباتها و تجعلها تعيش نوعا من التطهير الذاتي و التفريغ في ظل غياب أرضيات النقاش و فرصه التواصلية الممكنة اللهم "الشمشة " أو "السطارة" التي كانت عبارة عن آماكن تسلط بها الشمس أشعتها و يجلس بها أشخاص من فئات عمرية متطابقة و أحيانا متقاربة كما كانت تلك الوسيلة التي تجتمع فيها أخبار من شتى الأنواع وصلة وصل بين مجموعة من الأشخاص.

تفاعل يضاف إلى التفاعلات الاجتماعية و التواصلية  لفضاءات  النقاش.

"الشمشة" أو "السطارة" كانت مجموعة من أماكن العكارطة، قبل أن تعرف هيكلة على شكلها الحالي و قبل كثير، تحمل هذا الاسم كتلك التي كانت متواجدة بجانب مكان  ملحقة المدرسة الابتدائية بالعكارطة و تلك التي كانت في بداية الكريمات و أخرى كانت تتواجد بالقرب من سيدي أحمد بن الحاج و "شمشات" أخرى كانت تتفرق بكامل منطقة العكارطة كما هو الحال بمختلف مناطق أيير.

و بهذا ف"الشمشة" كفضاء لا يمكن فصله عن تطور الفكر و السلوكات الأييرية و يمكن اعتبارها من الأرضيات المواكبة لمراحل تطورية من الفكر العكراطي و الأييري بشكل عام لكونها مساهمة في فعل الوعي بالكون و التصورات و  في تغيير الرؤية إلى الذات و العالم؛ و هنا نسوق نموذجا تراثيا مهما يتعلق بحجم و نوع الطقوس التي كانت تقام أمام ضريح سيدي بولخيار المتواجد بمنطقة الوادي و المتواجد على الطريق التي تلج العكارطة من بابها الخلفي.  طقوس و ممارسات رغم الأحكام الأخلاقية و القيمية  التي يمكن أن تطلق عليها إلا أنها شكلت حاضر العكارطة الحالي و وعيه لأن فكر المنطقة و غيرها لن يكون أبدا إلا تاريخ تراكم تجارب قد تكون واعية أو غير واعية و التي تشكل في نهاية المطاف وعيها الحالي.

شخصيات عديدة و بصمات متعددة.

اليوم لم يعد سي علال و لا حريرته يطرقان باب العكارطة بل أصبح سي علال يرتاد العكارطة و ليس بنفس الحماسة و التفاعل الذي كان معهودا عنده و هو يبدأ مشوار رحلته اليومية بحريرته المميزة. هذه الأخيرة كانت تتجاوز حسب نظرنا ذلك الطبق الغذائي العادي إلى ظاهرة مجتمعية يتفاعل من خلالها الكبير و الصغير على إيقاع طقس مات و لم يعد. سي علال يعاني اليوم مع المرض  أما حريرته فلم تعد تزور العكارطة و تهالكت كل من الآنية و العربة اللتان كانتا تحملان كل يوم  طقسا مميزا.

شخصيات كثيرة مرت من العكارطة و تركت بصمة لها من زوايا متعددة دون أن تسلط عليها الأضواء لا العلوم الإنسانية و لا  الآداب و غيرها. بوشعيب الرداد السارية ابن أيير و الصوفي دفين مدينة أزمور الموغلة في القدم، أحمد بن الحاج علامة العكارطة الأول و حامي  فتياتها و نسائها من بطش عيسى بن عمر الذي دخل هو و غزاته العكارطة في مرتين، الفقيه الحدوشي نموذج الحدادشة العلمي و الديني و الأخلاقي، "با العسكري" الذي شارك في  الحروب كمقاوم و المعروف بحكاياته العجيبة عن مغامراته بالهند و الصين ليموت بالعكارطة صامتا، الشدگ و ناديه السينمائي، بن الشيخ بائع الحمص و الفول الساخنين و هو راكب لدراجته العادية الصفراء اللون،   المرحوم سي الحيمر صاحب تقطيعة الشارب الأنيقة و راوي تاريخ المنطقة، الصوفي  الحاج بن خديجة أو "بودربالة" و المتأثر بغوث مدينة أسفي سيدي محمد صالح مسهل عملية الحج في فترة الإفتاء بسقوطه كفريضة، الفقيه سي بيدا و البنا المعروفين  من بين فقهاء الجحوش الذين كان يحسب لهم و لفتاواهم القائد عيسى بن عمر ألف حساب و غيرها من الشخصيات التي شكلت ملامح بيئة مجتمعية و تمازج علائقي تستحق أن يترجم لها و يكتب عنها لتكون نبراسا و مرجعا و منهلا في الأخلاق و السلوكات و الأفكار لشباب و صغار و كبار في ظل ما تعيشه الأمة من الاغتراب الفكري و الاجتماعي و الديني و الثقافي و في ظله ما يصنفه السوسيولوجي المغربي مصطفى محسن في خانة  قلق المرجعية.

نحو تثمين الذاكرة الجمعية لأيير.

إن البحث في ذاكرة المنطقة و تراثها الشفوي و مختلف تجليات التعبير الشعبي كالغناء الأييري و الأمثال الشعبية  و بصمات البحر كفضاء له امتدادات بالمنطقة و تأثيره في تكوين الشخصية الأييرية و غيرها من التيمات  يبقى في حاجة إلى وقفة تحليلية و نقدية للوقوف على مجموعة من المعطيات التفسيرية و التوضيحية و الرؤيوية  لملامح المجتمع الأييري و طريقة تفاعله داخل ذلك المحيط الجغرافي المسمى أيير و طريقة تعاطيه من العالم و الأخر.

بقلم الأستاذ عبد القادر رجاء

____

الصورة لسي علال بأحد اللقاءات بالعكارطة.

نحو التأسيس لثقافة الوعي بالذاكرة الجماعية بأيير و تثمينها:  شخصيات بصمت فضاءات من أيير
Commenter cet article
K
مقال جميل ، لأنه اعاد الي ذكريات الطفولة ، بالأخص قصة "سي علال" درست معي ابنته في الابتدائي وزرت بيتهم المتواضع مرات عديدة شربت من تلك الحريرة التي كما ذكرت كانت لها نكهة خاصةً كما اذكر إن لم تكن ذاكرتي تخونني انه كان يتجول بالخبر كذالك، دعواتي له بالشفاء وأشكرك على هذه الالتفاثة الطيبة، مثل هذه المقالات تثلج الصدر خاصة بالنسبة للمغتربين البعيدين عن البلد واهله وطقوسه<br /> سلامي لأهل مسقط رأسي وعيدكم مبارك سعيد <br /> خديجة من الولايات المتحدة الامريكية
Répondre